الســــــلام عليكــــم ورحمــــة الله وبركاته
عندما أممت مصر قناة السويس، لم تدفع مليماً واحداً للإنجليز، لكنها عندما استردت الأرض التى اشتراها وجيه سياج منذ ١٣ سنة- وكانت مساحتها ٩٥٠ ألف متر بمبلغ ٩٥٠ ألف جنيه- لمخالفته للعقد، دفعت له تعويضاً قدره ٤٠٠ مليون جنيه، يا بلاش، فى مصر فقط تدفع جنيهاً وتكسب ألف جنيه، تنتهك القانون وتخالف الاتفاق والشروط ثم تلجأ للتحكيم الدولى وتفوز بما لم ولن يتيحه لك فانوس إسماعيل ياسين، ومصباح علاء الدين، حتى خاتم سليمان،
فى مصر فقط يمكن - بحبة فهلوة - تأسيس شركات وهمية دون أرصدة ودون سجلات تجارية حقيقية، وتحصل على كل ما تحلم به، وتتحول من شحاذ إلى مليونير، فى مصر فقط - وبحسب الشفافية على طريقتهم - تعقد الصفقات «فشر» ألف ليلة وليلة، ويصبح اغتيال مقدرات المصريين يومياً، حكايات ممتعة تروى على شهريار كى ينام هادئ البال مطمئن السريرة مرتاح الضمير، سائلاً: هل من مزيد؟ فى مصر فقط وإذا كنت من أبنائها فالقوانين جاهزة للتفعيل ضدك، واللوائح مطبقة بحذافيرها عليك،
وإذا فكرت فى أن تتملك خمسة أفدنة كى تزرعها لتحميك من البطالة، فادع الله - كى تتحقق أمنيتك - أن يمد فى عمرك كما مد فى عمر نوح، ويمنحك أموالاً كأموال قارون، وصبرا مثل صبر أيوب، إذا أردت أن تجد لنفسك عملاً أو تحقق أملاً أو تقيم مشروعاً أو تقابل مسؤولاً، فادفع بالتى هى أحسن حتى تجد ما يسرك، أو تذلل لمن بيدهم حوائجك وتوسل إليهم، أو ابحث لك عن واسطة عضو مجلس شعب أو رجل أعمال أو موظف كبير بالدولة، والأفضل من كل ذلك سيدة حسناء تطرى القاعدة وتلطف الطلب، وتجعله مستجاباً مقبولاً عند السادة المسؤولين، ودون ذلك، فرؤية حلمة أذنك أسهل،
أما إذا كنت من أصحاب النفوذ أو ممن يحملون جواز سفر أجنبيا، فيا بختك ويا حظك وهناك لأن أحلامك ستحقق وستجد فى انتظارك من يتسابقون لحملك على الأعناق، والطبطبة على كل جزء فيك، ثم وضعك فوق صدور الناس، فى مصر فقط لا تقدر خطورة المسؤولية وأمانة المنصب وحرمة المال العام، ولا يحسب لكرامة المواطن أى حساب،
ففى الوقت الذى يسجن فيه المصريون ويمتهنون ويجلدون ويعامل بعضهم معاملة العبيد فى المملكة العربية السعودية، ويتكلفون فوق طاقتهم لزيارة بيت الله الحرام، تفتح الحكومة المصرية أبواب أرض الكنانة لبعض المستثمرين منهم، وتوسعهم كرماً وتغدق عليهم النعم وتدعمهم بما لم ولن يحلم به المواطن المصرى،
فالأمير ابن الأمير الوليد بن طلال - رغم تنوع استثماراته السياحية والعقارية ومشاركته لعلية القوم - أبى إلا أن يكون له وجود قوى فى مجال الاستثمار الزراعى، فاختار توشكى - إلهام شعراء الحزب الوطنى - كى تكون له الأرض الموعودة، وأظن أن الرجل لم يكن يحلم بأكثر من ألف فدان،
لكن يبدو أنه فى إحدى جلساته مع خلصائه من خاصة المسؤولين المصريين أفصح عن رغبته تلك، فانبرى أحدهم: يا سمو الأمير ألف فدان لا تكفى، أنا أضمن لك عشرة آلاف، وقال ثان: أضمن لك عشرين ألفا وقال ثالث: أيسر لك خمسين ألفا وقال رابع: نعطيك مائة ألف، وقال خامس على الطلاق بالثلاثة البلد بلدنا ومش هايجينا أعز منك ولك من عندى ١٢٨ ألف فدان أخرى فوق البيعة، لا داعى للإعلان عنهم، ودون أن يدرى، كتب الطلب لكمال الجنزورى رئيس وزراء مصر الأسبق، وفاز الرجل بصفقة العمر، مقابل خمسين جنيها فقط للفدان،
ومن فرط كرم الحكومة معه وحباً فيه وذوباناً فى دباديب القومية العربية، أصرت على أن تكون فى تعاقدها معه الطرف الأضعف، بموافقتها على أن يدفع سموه عشرين فى المائة فقط من ثمن الأرض، والباقى حين ميسرة، أو حين اللجوء للتحكيم للحصول على ألف ضعف ما دفعه أسوة بوجيه سياج، وأن تكون أرضه غير خاضعة لأى أعباء حكومية أو أتعاب أو رسوم، وتوفير ما تحتاجه من مياه على نفقتها الخاصة، وعدم إيقافها أو قطعها إلا بموافقة كتابية من شركة سموه، وعدم تقييده بمدى زمنى فى تنفيذ المشروع، وترك هذا الأمر خاضعاً لحريته الشخصية، والخلاصة اقتطع الرجل لنفسه إقليماً مصرياً تتجاوز مساحته ضعف مساحة البحرين وتوازى جنوب لبنان، وحقق حلمه بأرخص الأثمان، وأظن أننا لو قلبنا الآية، وقرر ابن أى وزير مصرى أن يفعل فى السعودية ما فعله الوليد، لفشل فشلاً ذريعاً، ومثلما كان الكرم الحاتمى أيام الجنزورى جاء الكرم من حكومة الدكتور نظيف، التى حولت القطاع العام وقطاع الأعمال إلى هبات تجامل بها هذه الشركة الأجنبية أو تلك،
وأنا على يقين من أن ما دفعته شركة «أنوال» السعودية لشراء عمر أفندى يشكل فضيحة قانونية وأخلاقية، وهذا المبلغ قد يصلح لشراء فندق متواضع بقلب القاهرة، وليس عمر أفندى بفروعه السبعة والسبعين، ونجح صاحب الشركة فى أن يلحق بها، وبعمالها خسائر فادحة حتى يضمن تصفيتها والفوز بأصولها وبيعها على حدة، ويكون حصاد المصريين من هذه الصفقات المشبوهة خسارة ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم، يكون حصادهم بيع الشركات التى تدر أرباحاً، وإهدارها على مرأى ومسمع من الجميع،
ثم الاستدارة لنهب ما فى جيوب الناس، باسم ضرائب المبيعات وضرائب المشتريات وضرائب رأس المال وضرائب الملاهى وضرائب المهن الحرة وضرائب عقارية، فى مصر فقط، تغتال المصائب وتستباح الأرزاق والموارد باسم الاستثمار، وتموت العدالة تحت أقدام النفوذ، ويزداد أباطرة الشر بطشاً، ويزداد المواطنون ضعفاً وخنوعاً، وكأنهم تصالحوا مع الخطأ، وتسامحوا مع المجرمين، واعتادوا نهش الكلاب الضالة، وقبلوا أن يكونوا أغراباً فى بلدهم الذى كان يطلق عليه قديماً اسم الوطن، والسؤال الآن: مصر من هذه؟ هل هى مصرنا أم مصرهم.؟!
لـ د. طارق عباس
عندما أممت مصر قناة السويس، لم تدفع مليماً واحداً للإنجليز، لكنها عندما استردت الأرض التى اشتراها وجيه سياج منذ ١٣ سنة- وكانت مساحتها ٩٥٠ ألف متر بمبلغ ٩٥٠ ألف جنيه- لمخالفته للعقد، دفعت له تعويضاً قدره ٤٠٠ مليون جنيه، يا بلاش، فى مصر فقط تدفع جنيهاً وتكسب ألف جنيه، تنتهك القانون وتخالف الاتفاق والشروط ثم تلجأ للتحكيم الدولى وتفوز بما لم ولن يتيحه لك فانوس إسماعيل ياسين، ومصباح علاء الدين، حتى خاتم سليمان،
فى مصر فقط يمكن - بحبة فهلوة - تأسيس شركات وهمية دون أرصدة ودون سجلات تجارية حقيقية، وتحصل على كل ما تحلم به، وتتحول من شحاذ إلى مليونير، فى مصر فقط - وبحسب الشفافية على طريقتهم - تعقد الصفقات «فشر» ألف ليلة وليلة، ويصبح اغتيال مقدرات المصريين يومياً، حكايات ممتعة تروى على شهريار كى ينام هادئ البال مطمئن السريرة مرتاح الضمير، سائلاً: هل من مزيد؟ فى مصر فقط وإذا كنت من أبنائها فالقوانين جاهزة للتفعيل ضدك، واللوائح مطبقة بحذافيرها عليك،
وإذا فكرت فى أن تتملك خمسة أفدنة كى تزرعها لتحميك من البطالة، فادع الله - كى تتحقق أمنيتك - أن يمد فى عمرك كما مد فى عمر نوح، ويمنحك أموالاً كأموال قارون، وصبرا مثل صبر أيوب، إذا أردت أن تجد لنفسك عملاً أو تحقق أملاً أو تقيم مشروعاً أو تقابل مسؤولاً، فادفع بالتى هى أحسن حتى تجد ما يسرك، أو تذلل لمن بيدهم حوائجك وتوسل إليهم، أو ابحث لك عن واسطة عضو مجلس شعب أو رجل أعمال أو موظف كبير بالدولة، والأفضل من كل ذلك سيدة حسناء تطرى القاعدة وتلطف الطلب، وتجعله مستجاباً مقبولاً عند السادة المسؤولين، ودون ذلك، فرؤية حلمة أذنك أسهل،
أما إذا كنت من أصحاب النفوذ أو ممن يحملون جواز سفر أجنبيا، فيا بختك ويا حظك وهناك لأن أحلامك ستحقق وستجد فى انتظارك من يتسابقون لحملك على الأعناق، والطبطبة على كل جزء فيك، ثم وضعك فوق صدور الناس، فى مصر فقط لا تقدر خطورة المسؤولية وأمانة المنصب وحرمة المال العام، ولا يحسب لكرامة المواطن أى حساب،
ففى الوقت الذى يسجن فيه المصريون ويمتهنون ويجلدون ويعامل بعضهم معاملة العبيد فى المملكة العربية السعودية، ويتكلفون فوق طاقتهم لزيارة بيت الله الحرام، تفتح الحكومة المصرية أبواب أرض الكنانة لبعض المستثمرين منهم، وتوسعهم كرماً وتغدق عليهم النعم وتدعمهم بما لم ولن يحلم به المواطن المصرى،
فالأمير ابن الأمير الوليد بن طلال - رغم تنوع استثماراته السياحية والعقارية ومشاركته لعلية القوم - أبى إلا أن يكون له وجود قوى فى مجال الاستثمار الزراعى، فاختار توشكى - إلهام شعراء الحزب الوطنى - كى تكون له الأرض الموعودة، وأظن أن الرجل لم يكن يحلم بأكثر من ألف فدان،
لكن يبدو أنه فى إحدى جلساته مع خلصائه من خاصة المسؤولين المصريين أفصح عن رغبته تلك، فانبرى أحدهم: يا سمو الأمير ألف فدان لا تكفى، أنا أضمن لك عشرة آلاف، وقال ثان: أضمن لك عشرين ألفا وقال ثالث: أيسر لك خمسين ألفا وقال رابع: نعطيك مائة ألف، وقال خامس على الطلاق بالثلاثة البلد بلدنا ومش هايجينا أعز منك ولك من عندى ١٢٨ ألف فدان أخرى فوق البيعة، لا داعى للإعلان عنهم، ودون أن يدرى، كتب الطلب لكمال الجنزورى رئيس وزراء مصر الأسبق، وفاز الرجل بصفقة العمر، مقابل خمسين جنيها فقط للفدان،
ومن فرط كرم الحكومة معه وحباً فيه وذوباناً فى دباديب القومية العربية، أصرت على أن تكون فى تعاقدها معه الطرف الأضعف، بموافقتها على أن يدفع سموه عشرين فى المائة فقط من ثمن الأرض، والباقى حين ميسرة، أو حين اللجوء للتحكيم للحصول على ألف ضعف ما دفعه أسوة بوجيه سياج، وأن تكون أرضه غير خاضعة لأى أعباء حكومية أو أتعاب أو رسوم، وتوفير ما تحتاجه من مياه على نفقتها الخاصة، وعدم إيقافها أو قطعها إلا بموافقة كتابية من شركة سموه، وعدم تقييده بمدى زمنى فى تنفيذ المشروع، وترك هذا الأمر خاضعاً لحريته الشخصية، والخلاصة اقتطع الرجل لنفسه إقليماً مصرياً تتجاوز مساحته ضعف مساحة البحرين وتوازى جنوب لبنان، وحقق حلمه بأرخص الأثمان، وأظن أننا لو قلبنا الآية، وقرر ابن أى وزير مصرى أن يفعل فى السعودية ما فعله الوليد، لفشل فشلاً ذريعاً، ومثلما كان الكرم الحاتمى أيام الجنزورى جاء الكرم من حكومة الدكتور نظيف، التى حولت القطاع العام وقطاع الأعمال إلى هبات تجامل بها هذه الشركة الأجنبية أو تلك،
وأنا على يقين من أن ما دفعته شركة «أنوال» السعودية لشراء عمر أفندى يشكل فضيحة قانونية وأخلاقية، وهذا المبلغ قد يصلح لشراء فندق متواضع بقلب القاهرة، وليس عمر أفندى بفروعه السبعة والسبعين، ونجح صاحب الشركة فى أن يلحق بها، وبعمالها خسائر فادحة حتى يضمن تصفيتها والفوز بأصولها وبيعها على حدة، ويكون حصاد المصريين من هذه الصفقات المشبوهة خسارة ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم، يكون حصادهم بيع الشركات التى تدر أرباحاً، وإهدارها على مرأى ومسمع من الجميع،
ثم الاستدارة لنهب ما فى جيوب الناس، باسم ضرائب المبيعات وضرائب المشتريات وضرائب رأس المال وضرائب الملاهى وضرائب المهن الحرة وضرائب عقارية، فى مصر فقط، تغتال المصائب وتستباح الأرزاق والموارد باسم الاستثمار، وتموت العدالة تحت أقدام النفوذ، ويزداد أباطرة الشر بطشاً، ويزداد المواطنون ضعفاً وخنوعاً، وكأنهم تصالحوا مع الخطأ، وتسامحوا مع المجرمين، واعتادوا نهش الكلاب الضالة، وقبلوا أن يكونوا أغراباً فى بلدهم الذى كان يطلق عليه قديماً اسم الوطن، والسؤال الآن: مصر من هذه؟ هل هى مصرنا أم مصرهم.؟!
لـ د. طارق عباس